الكاتبة المصرية دكتورة داليا السبع تكتب الجزء الثاني من قصة شظايا مبعثرة/ العربية نيوز
واقع نافذ حد الضلوع يشق الأيام يعتصر الثواني ينتظر مخاض الزمن ربما وليد حياة جديدة يتعجب من نفسه للحظات ما هذه المهاترات؟ ما هذا الجنون أي حياة تتحدث عنها يا مجنون ؟! وسط الخيام المشتعلات يضن الزمن ببرعم فرحة يستفيق من جلده ذاته على سؤال يأتي من بعيد صوت يتحشرج بالأسى ماذا سنفعل الآن يا ولدي؟ أين المفر؟ يعود لرشده فجأة ويمسك بيدي جدته سننجو يا حبيبتي لا تقلقي، يقولها والغصة تتملك من نفسه والآهة العصية توخز جوانب روحه وسط القذائف والقنابل تشتعل الخيام بصراخ وعويل، وأنين يفرد على عباءة الليل سطوته المريبة يهرول قليلاً ويتباطأ كي لا تقع فمشيتها الطفولية جعلت العجز يرفرف فوق رؤوسهم ،يدركان في جزع أن لا نجاة من هلاك أقام قلاعه بأرضهم، تقف مرة واحدة دون إنذار تحدثه دعني .. يا ولدي انجُ بنفسك أنت ... أرجوك دعني.. يضع يديه على فمها محاولة سريعة دون تفكير لكي يمنعها من أن تكمل حديثها فنفسه المهترئة لم تعد تتحمل أكثر ، ينظر لها نظرةً تجيبها بصمت يصرخ كمن يقول ومن لي سواكِ في هذا العالم الموحش؟ يقرر حملها على ظهره فيقع أرضاً تصتدم رأسه بقطعة معدنية واقعة بين الثلوج فتسيل الدماء تغرق جبهته وتنساب على وجنته وسط دموع جدته المنهمرة يا حبة قلبي ...فداك نفسي ... يمسح الدماء بحركة سريعة يشعر بدوار يمسك بهذه القطعة محاولاً اكتشافها، وإذا بها "سلاح ناري" يبدو وكأنه وقع من شخص ما وهو يركض لينجو بنفسه يجد جثة تسقط أمامه فجأة غارقة في الدماء تصرخ جدته وهي تقول" لا حول ولا قوة إلا بالله " وهي تجد جثة فقدت معالمها بترت أجزاء منها جراء القذف ولكنها تعرفت على صاحبها من ذاك الصليب المتدلي من قلادة اعتاد جارهم "روفائيل" لفها عدة مرات حول رسغه ، رددتُ من ورائها "إنا لله وإنا إليه راجعون" وسط تساقط الصغير والكبير واشتعال الخيام بين رفة جفون ، أين ابنته يا ترى ؟! تجيبه جدته لقد كانت ضريرةً يا ولدي لا أظنها نجت من هذا القذف الوحشي.
هيا يا جدتي همَّ ليحمل جدته ليفرا من هول ما يحيط بهما من موت محقق ، ولكنه العجز من جديد وشلل التفكير الذي يعبث بعقله كلما قرر الإقدام على أمر ما، هي نفسه المتهالكة التي لطالما حاولت الصمود فلحن الحياة سيمفونية أزلية توقظ نبت الرغبة لبلاب الأمل الذي يتسلق شيئاً فشيئاً جسد الروح رغم عجزه المعهود الذي يبيت فيه كصقر جريح الفؤاد يقاوم نفاذ السهم في صدره المختنق ،ماذا أفعل؟ هيا فكر قام بحمل جدته وبخطىً متثاقلة رغماً عنه وصل بها إلى مكان يستطيع تركها فيه أمسك وجهها الطفولي الممتلئ بتجاعيد قساوة الزمن بكلتا يديه ناظراً في عينيها الممتلئة بالدموع "حبيبي سوف أعود" انتظريني! أجابته "اعلم " أن الله لن يضيعنا...
ومن ثم قام ومضى مسرعاً، حتى وصل لجثة جارهم ،قام بجرها غير آبهٍ بالقذف والصراخ المحيطين وقام بدفنها أخذ الصليب الملفوف على جثته قبل دفنه وصلى عليه داعياً لروحه بالرحمة الواسعة ثم مضى يبحث عن ابنته الضريرة ، ذهب إلى خيمتهم أو ما تبقى منها منادياً كرستين ... كرستين.. لم يجد من يجيبه، همَّ بالمغادرة يائساً وإذا بصوت ضعيف يستغيث من وسط حطام الخيمة يلتفت بسرعة يهرول ليرفع ما تراكم فوقها كانت مختبئة كي لا يراها أحد فهي تعلم تماماً عجزها ، فأخذ بيدها تملكها الرعب طمئنها بأنه محمد جارهم في المخيم ، تمسكت بيدي بشدة تنظر لي وكأنها تريد أن تراني، وقد تملكها خوف طغى على ملامحها البريئة، متسائلة أين أبي ؟ هل رأيته يا محمد ؟ انعقد لساني وتحجرت الكلمات في حلقه قائلاً اسرعي فلم يعد لدينا وقت هنا ، سارت معي ومن ثم توقفت وسط الصراخ المحيط هل مات والدي؟! صمتت وسط الصخب المستطير ، خلع عن يده صليب والدها وفتح كفها بيديه وأطبقها عليه انهرمت دموعها كشلال هادر وسارت معه ركضا كي يصلا إلى مكان جدته قفزت الفرحة الباكية من دموع الجدة البائسة احتضنتها بقلبها قائلة لا تبكي يا بنيتي" لكل أجل كتاب"
التعليقات على الموضوع