الكاتب والاديب صلاح البسيوني يكتب قصة بعنوان المنحة / العربية نيوز

المنحة

تأليف / صلاح البسيوني

 

جلس صابر أفندى فى حالة شرود واضح أخذه عن الجو المحيط به بعيدا .. فعلى الرغم من صرخات إبنته أثناء لعبها مع أخواتها .. وإستغاثة صغيره من تعديهم على لعبه وعلى الرغم من كل الضجيج الذى يطيح بسكون المنزل إلا أن صابر أفندى أخذته حالة من التفكير العميق بعيدا عن كل مايدور حوله. 

دخلت الست حميدة .. زوجته .. تحمل صينية الشاى .. لتضعها أمامه على الترابيزة الصغيرة .. وأخذت تصب الشاى فى الأكواب الزجاجية وهى تراقب شروده وعدم إدراكه لدخولها .. ومدت يدها إليه بالشاى فلم ينتبه .. فوضعتها أمامه فى غضب صامت.

أخرج من جيب بيجامته ورقة كبيرة بها بعض الأرقام والبيانات عن ملابس العيد .. ولحم العيد وراتب الشهر الذى تسلمه مبكرا عن موعده من أجل العيد وأنتهى ولم يأت  العيد بعد.

تحرك فجأة .. إعتدل واقفا.. توجه الى شماعة الملابس خلف باب الغرفة .. دس يده فى جيب البنطلون وأخرج كل ما به .. قلم جاف .. قصاصات ورق .. ورقة نقدية فئة الخمس جنيهات .. عملات فضية لا تتعدى الثمانون قرشا بعد أن أحصاها .. أعادهم الى مكانهم فى جيب البنطلون .. عاد الى جلسته .. تناول كوب الشاى البارد وهو لايزال ممسكا بالورقة التى أحضرها من بين زحام الأواق بجيب البنطلون.

نظر إليها متفحصا لوازم العام الدراسىالجديد .. ملابس .. أحذية .. شنط .. مصاريف مدرسية .. كشاكيل وكراريس وأقلام .. دس القصاصة فى جيب البيجامة .. وتناول الجريدة ليعيد قراءة الخبر الذى ذهب به بعيدا من قبل .. "منحة راتب خمسة عشر يوما من اساسى الراتب بمناسبة العام الدراسى الجديد".

أخذ عقله يترجم الرقم الى قيمة نقدية تصل الى ثلاثون جنيها على الرغم من العمل الطويل الذى أمضاه موظف بالحكومة إلا أن المنحة لم تتجاوز ثمن شراء بنطلون لطفله الصغير .. يرن جرس الباب .. محصل الكهرباء .. مطلوب سبع جنيهات .. مد له يده طلبا لكعب الإيصال حتى يمكنه السداد فيما بعد .. أعتدلت زوجته تذكره وتطالبه بمصروف البيت خلال الشهر الذى لم يبدأ بعد. 

والإيجار الذى لم يسدده لصاحب المنزل .. وقيمة المواد التموينيه التى لم تصرفها من البقال .. وثمن إستهلاك المياة .. بالإضافة الى الكهرباء الذى تلقى إيصاله منذ لحظات .. وغيار أنبوبتى البوتاجاز .. وطلبات الأولاد التى وعدهم بتدبيرها مع مصروفهم أول الشهر .. والضروريات التى لا تنتهى كل شهر .. وهو يستمع لها فى شروده الذى عاد اليه يحلم أن يفيق منه ليجد فى أنتظاره منحة أخرى .. منحة من السماء.