LightBlog

الكاتب والأديب طارق حنفي يكتب خاطرة جديدة حول الآية الكريمة./ العربية نيوز

 (........إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي 

إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)







 الوفق: هو المطابقة بين الشيئين، ويقال وافقت الأمر أي صادفته ولاقيته. 

والاتفاق: هو مطابقة فعل الإنسان القدر، ويقال ذلك في الخير والشر، يقال اتفق لفلان خير، واتفق له شر. 

أما التوفيق: فهو يختص في التعارف بالخير دون الشر، أى مطابقة فعل الخير من العبد لقدر الرب. 

ولكن ما هو التوفيق الذي من عند الله؟! 

وكيف يتطابق فعل العبد مع قدر الرب؟! 


إن التوفيق يبدو كطريق مساره يؤدي إلى الصلاح 

والفلاح، حده الأول الإرادة فى طلب التوفيق من الله (وهو فى حد ذاته توفيق من الله)، وحده الآخر اليقين بأن الأمر كله يرجع إليه سبحانه، وبينهما نهر الطريق وهو التوكل على الله وحسن الظن به..  والتوفيق هو من لطف الله ورحمته، هو النور الهادي فى القلب الذى يهدى الإنسان ليوافق ما أحل الله ويبتعد عما نهى عنه، وهو الخاطر الذى يمر ولا يبقى ليذكر الإنسان بأمر الله وشرعه وحلاله وحرامه ويعلمه من علم الله. 


يقع الإنسان فى الدنيا بين ما هو واجب الحدوث وهو القضاء والقدر من ناحية، وبين ما يتمنى حدوثه وقدرته على تحقيقه من الناحية الأخرى، وفي الفجوة بينهما تكمن الممكنات وهي كل ما يمكن حدوثه.. والممكنات هي ما تجعل الإنسان مخيرا، تملأ إشاراتها عقله وقلبه وأفكاره ونفسه ووساوسه، حتى وإن لم يدركها جميعا سيشعر ببعضها تملأ قلبه وعقله، ومع وجود الممكنات يشعر كل عقل بالراحة لما يختار، وكأنه هو المسيطر الحقيقي على الأمور، فيشعر بالتخيير. 


وعندما يريد العبد التوفيق فى الخير حقا يبرز الله له فى عقله وإرادته وقلبه خياراته لفعل الخير دون الشر.. وعندما يحسن التوكل على الله، ويوكل الله فى الأمر، يوجهه الله أن يختار الموافق من هذه الخيارات لقدر الله فيقع فى قلب العبد الرضا ويملأه اليقين.. وما يزال الرضا يملأ تلك الفجوة بين الواجب حدوثه والممكن حدوثه حتى يملأها، وعندها يشعر الإنسان أن ما يختاره لنفسه هو عين ما يختاره له الله..  وما يزال الإيمان بقضاء الله وقدره يملأ قلبه حتى يفيض من هذا القلب اليقين، وحينها يعلم الإنسان أن ما أصابه لم يكن ليخطأه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.. ثم يدرك الإنسان أنه لا مكان فى الحقيقة للأماني، ولكن الدعاء والأمل فى الله والرجاء بأن يهب له من المسببات ما يهيئ له أسباب التوفيق والصلاح، ويهب له القدرة على العمل والعبادة والطاعة لتقع تلك الأسباب موقع التمكين، من شفاء وثبات على الطاعة والعبادة والنجاح وتغيير الحال والصلاح. 


عندما حان الوقت لاكتمال العطاء من الله لعباده، عطاء من رحمته ولطفه ونوره لتوافق أفعال العبد رضا الرب، لكي يعمل العبد ما أُمر به ويبتعد عما نُهي عنه بفهم ورضا ويقين، عندها أرسل الله محمدا -صلى الله عليه وسلم- ليرسم طريق التوفيق ويضع حدوده وبدايته ويمهده وينيره، ويضع قوانينه ومنهج السير فيه. 


اللهم صل وسلم وبارك على المشكاة التي ظهر منها فلك الرحمة إلى الحياة، السراج المنير الذي يهدي السائرين في طريق معرفة الله، والدليل الذي يرشدنا بسنته للفوز بجنة الله ونيل رضاه، محمد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين... 


طارق حنفى

هناك تعليق واحد:


  1. قال الله تعالى " من عادى لي ولياً فقد آذنته بحرب مني، وما تقرب لي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ومازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها وقدمه التي يمشي بها وإذا سألني لأعطينه وإذا استغفرني لأغفرن له وإذا استعاذني أعذته.

    ردحذف