LightBlog

الكاتب والأديب صلاح البسيوني يكتب قصة بعنوان ثمن الإمومة / العربية نيوز

 ثمـن الإمـومــة

تأليف / صلاح البسيوني


  


عانقت زوجها..وإعتصرت إبنتها..ثم إحتضنت رضيعها..أمسكت حقيبتها وغادرت المكان. 

حمل حقيبته الصغيرة على كتفه..ألقى السلام على أهل بيته..تبادل التحية مع زواره من الأصدقاء والجيران..طمأنهم أنه لن ينسى الدعاء لهم..فى بيت الله الحرام وعند وقوفه بعرفات..ومع كل صلاة فى مسجد رسول الله وحبيبه عليه الصلاة والسلام فى المدينة المنورة.. وإنطلق خارج المكان.

تجمع المسافرين فى محطة الأتوبيس الدولى بميدان الشهيد عبد المنعم رياض..بقاهرة المعز لدين الله الفاطمى..ليحملهم فى رحلتهم الى حيث الميناء الواقع على خليج العقبة..دخل الركاب ميناء نويبع البحرى بعد الإنتهاء من إجراءات السفر المعتادة وإنطلق كل منهم الى داخل" العبارة "فى طابور طويل بلا نهاية..وكأنهم طابور من الرحالة والمستكشفين القدامى كل منهم يحمل فى حقائبه ملابسه وطعامه..ذكرياته وأحلامه..تاركا قلبه خارج المكان.

إنطلقت" العبارة "تشق مياه الخليج..وإنطلقت الأبصار تحتوى الوطن فى داخلها..والأفئدة عائدة الى حيث الأهل والأحباب ..وإلتقطت عيناه قطرات من الدموع تسقط لتختلط بمياه الخليج وتذوب فيها..نظر الى صاحبتها..فأدارت وجهها تخفى  ضعفها..أطال النظر الى حيث نبع الدموع وتوقفت نظرات..أعادت وجهها إلى ناحيته..لاحظت تسمر نظراته..توقع أن تغادر المكان..تحركت..خفق قلبه..إقتربت الى جواره ..إزدادت ضربات قلبه..وقفت بجانبه وكأنها تحتمى به من ضعفها.. إحترم صمت دموعها..كما إحترم ضعفها الصامت..صمت وعيناه تحمل ألف سؤال.

أطالت النظر الى زبد البحر الناتج عن سرعة"" العبارة ""وكأنه أحلامها التى تجرى خلفها من مكان الى مكان..شعرت بدفء الأمان إلى جواره..إستقر قلبها بين الضلوع..وهدأت ضرباته من سرعتها..توقف نزيف العيون..ومسحت بيدها على وجهها..فبدت له إبتسامة ضعيفة خافتة..وإنطلقت تفسر له ما حدث.

أخبرته عن صغيرها الذى أكمل الثلاثة أشهر..وتركته خلفها مع طفلتها وزوجها ـ مدرس التربية الرياضية بالمرحلة الإبتدائية فى قريتها ـ مسافرة وراء لقمة العيش..وحدها..حيث لا فرصة عمل هناك لمدرس " الالعاب".

روت له كيف تركت رضيعها..وهو لا يزال فى حاجة الى ثديها وحنانها ودفء حضنها..حتى تستطيع أن تسدد الديون التى تلاحقها وزوجها..وحتى تستطيع أن تجد ما يدر اللبن فى ثديها  لصغيرها.

قالت له كيف تركتهم خلفها..من أجلهم..وكيف دفعت الثمن راضية ..كيف تخلت عن الإمومة..لكى تستحق الإمومة..حكت..وحكت..

وإنهمرت شلالات دموعها من جديد..وإنطلقت مغادرة المكان.

ليست هناك تعليقات