الكاتب والأديب صلاح البسيوني يكتب قصة قصيرة بعنوان لا تنس أني امرأه/ العربية نيوز
لا تنس أني امرأه
تأليف / صلاح البسيوني
فى ليلة من ليالي الشتاء والمدينة لا تزال برك الطين تغطى شوارعها لتجعل من تنقله حركات غير منتظمة يزيد من تخبطها الرياح التي لا زالت تهز أفرع الأشجار فى عنف وتقذف ببقايا الأوراق وأكياس البلاستيك فى وجهه .. وهو فى تخبطه يحاول استئناف السير ليصل الى بيته .
وفى ذات الوقت الذي اتشحت فيه السماء بالسواد وطمست معالم نجومها وأطفأت مصابيح الشوارع بحيث لا ترى موضع قدمها .. كانت تسير تدفعها الرياح الي حيث لا تدرى .. لم تكن تخشى التوقف بل كانت لا تستطيع .. اصطدمت أيديهما فى محاولات حفظ التوازن .. تشبثت الأيادي شعرا بملمس بشرى فى تشبثهما إهتزا للحظات لعلها من الخوف أو من المفاجأة .. تشبثت أصابعها بأصابعه .. شدد قبضته وجذبها ناحيته .. تبين انه ممسك بيد امرأة منهكة القوى .. تكاد أن تتمزق من الرياح والبرد والهلع .. ضمها إليه محاولا أن يسكن هلعها .. ليكمل المسير بها سيرا وأحيانا يحملها .. سعيا للوصول الي سكنه أو بقاياه ليحتمي به .. وحينذاك جمع كل ما وصلت اليه يده ليضعه عليها لتدفئتها .. وظل فى جلسته بجانبها حتى الصباح وكل ما يخشاه أن تصيبها حمى فى هذا الجو القاسي .
أشرقت الشمس وكأن شئ لم يكن بالأمس .. تعارفا وطلبت إستئناف سيرها حتى لا يقلق عليها الأهل .. خرج معها حتى بيتها واتفقا على اللقاء .. ولقاء يعقبه لقاء والحب يسرى فى عروقهما .. فتزوجا فى لحظة جميلة لا تغيب ذكراها .. كانت تتفهم طبيعة عمله التي تتطلب نوعا من العلاقات العامة التي تقتحم خصوصياته وحياته فى أي وقت وأي مكان .. وكانت أيضا على ثقة أنها حبيبته ومليكته وكل شئ فى حياته .
وهذا المساء كانا يحتفلا بعيد زواجهما الأول فى جلسة شاعرية أخذت تعد لها من أيام حتى تأخذه من عمله وعالمه .. وفجأة رن جرس التليفون .. وكان هذا هو الشيء الوحيد الذي غاب عنها فى غمرة الإعداد .. حيث كان فى تدبيرها أن تفصل سلك التليفون حتى لا يستقبل مكالمات كما فعلت مع جهاز التليفون المحمول حين أغلقته .. وتناول السماعة وكانت المتحدثة إحدى عميلاته فى حاجة الي ما يسمى بالدعم الفني فى مجال عمله الخاص بالتدريب على الحاسب الآلي .. وأخذ يرصد معها الأخطاء ويصححها ويرشدها الي الخطوات الواجب اتباعها .. وهو فى ذلك يتحدث كعادته بصوت هادئ يتميز به بما يحمله من مودة ودفء .. وزوجته ساكنة فى مكانها .
لم يكن هذا أول اتصال تسمعه ولكن كان آخر ما كانت تتوقعه
فى تلك اللحظة الخاصة جداً .. وهكذا بدأت تتحرك فى مكانها بقلق لعله ينهى المكالمة .. فلم ينتبه .. شعرت بالغيرة تتحرك فى داخلها فاعتدلت لكي ترتمي فى أحضانه وقبلته من شفتاه لتمنعه من الكلام .. وهمست فى أذنه " أعلم أن تلك طبيعة عملك .. وأعلم أنني حبيبتك .. ولكن....لا تنس أني إمرأه ".
التعليقات على الموضوع