LightBlog

الكاتب و الاديب صلاح البسيوني يكتب قصة بعنوان العملية / العربية نيوز

 العمليـــــة

تأليف / صلاح البسيوني



كعادة الست أم محمد كانت تتحرك فى كل أرجاء البيت يلاحقها صوت المسجل وهى تلاحق أبنائها بصراخها .. ميت مرة قلت الشبشب أمام الحمام .. اللى يستخدم حاجة يرجعها مكانها .. أنا هقطع نفسى معاكم .. هلاقيها منكم وألا من أبوكم والا من شغل البيت .. ربنا يخدنى وأستريح منكم .. وخلال صراخها تنصب اللعنات على الزمن الأغبر اللى حكم عليها بهذه العيشة خدامة لزوجها وأولاده .. وغيرها من الستات عايشة بلا مسئوليات .. مفيش غيرها اللى وقعتها جت سودة مع راجل مش عارف قيمتها .. فى شقة لا تناسب طموحاتها .. ضيقة من غرفتين وصالة وليست أربع أو خمس .. ولا يوجد بها سوى تليفزيون عشرين بوصة ألوان وثلاجة أثنى عشر قدم وجهاز فيديو بالريموت وجهاز تسجيل بخلاف المراوح والخلاطات والمكنسة الكهربائية .. هذا فقط ما تملكه من حطام الدنيا .


وذات مساء شعرت بآلام روماتزمية فى عظامها فذهبت الى الطبيب الذى أخبرها بضرورة استئصال اللوزتين .. وانشقت الأرض عن حمم وبراكين تناثرت فى أرجاء البيت بعد عودتها مما جعل الأولاد يفروا هاربين من أمامها بعيداً عن لعناتها أحياناً وتاركيها لبكائها على حظها العاثر أحياناً أخرى .. عملية جراحية لها من دون الناس .. ألا يكفى نصيبها من الأحزان خلال زواجها التعيس وموت والديها لتصبح يتيمة الأب والأم .. ألا يكفيها تلك الوكسة التى تعيشها .


وجاءت الوفود المشاركة من الجارات المحترفات النحيب والبكاء لمشاركتها أحزانها .. فتأخذ فى سرد تفاصيل المصيبة التى أخبرها بها الطبيب .. وإذا تجرأ زوجها وأخبرها أنها عملية بسيطة وليست ذات خطورة وأن أي طبيب يمكنه إجراءها دون خوف وأنها لن تمكث فى العيادة سوى ساعة لتعود الى البيت على قدميها .. أنفجرت فيه بلعناتها .. ناقمة على حظها الأسود الذى أختصها بتلك المصيبة ولم تكن من نصيب زوجها .. ولا تنس كلما قامت بأي عمل فى المنزل أن تطلق حكمة شعبية تضفي على الجو نوع من الرومانسية " أعملي ياخايبة للغايبة " وكأنها لن تعود من العملية وسوف تأتى زوجة أخرى لتحل محلها .


وتمر الأيام .. تلو الأيام بطيئة جداً .. ولاتزال الست أم محمد لم تعمل العملية الجراحية .. وقد شفيت اللوزتين بعد تناول الدواء .. ولم تستأصلهما .. ولم تتوقف لعناتها على الحياة والأيام والزوج والأولاد والطب والأطباء وكل من له صلة بحظها العاثر الذى جعلها زوجة تخدم فى بيتها الصغير وتربى أولادها وترعى زوجها وتفقد والديها.. وكادت تعمل العملية .

ليست هناك تعليقات