الكاتب و الاديب د . صلاح البسيوني يكتب قصة بعنوان المخبول
المخـبــول
تأليف د. صلاح البسيوني
قال صديقي : لو رايته لعلمت الى أي مدى يكن الإنسان ضعيف القلب، لو رأيته ياصديقى لنقلت قصته الى قراءك ، وأخذ يروى .
كان ولا يزال صغير السن ، لم يتجاوز الثلاثين عاما " على الرغم من لحيته وشاربه المسترسلين ، كان و لا يزال صغير السن على الرغم من تجاعيد الوجه واليدان ، يهيم على وجهه حافى القدمين زائغ البصر وسيل من الدموع كالنبع لم يجف حتى فسرة البعض بحساسية أصابت عينيه ، يتمتم بكلمات لم تتغير منذ عرفناه أسفل البواكى في منطقة العتبة والفجاله وباب الشعرية ، كلما اقتربت منه تسمع " قدر الله و ما شاء فعل ، لاحول ولا قوة إلا بالله .. حسبي الله ونعم الوكيل " والكل ينظر إليه بالشفقة أحيانا وبالدعاء أحيان أخرى ، وبالدعاء له بالشفاء في كل الأحوال ، الى هنا والقصة لم تنتهي بعد .
فقد عرفته منذ سنوات طوال قبل أن يصل الى هذه الحالة ، فقد هام بحب إمرأة ، أعطاها حب لم يحمله أحد لإمرأة سواه ، كان يصحو على صوتها فى التليفون تهمس صباح الخير يا حبيبي ، فينطلق من فمه أحلى ترانيم الصباح وصوت ضحكتها يعلو قائلة : كل ده من أجلى ، ربنا ما يحرمني منك يا حبيبي .
وفى المسـاء لا ينقـطع حوار الحـب إلا حين تسـقط سـماعة التليفون من يد أحدهما حين يغلبه النعاس ، وأحيانا وقد لا تصدق يظلا فـي حوارهما حتى صباح اليوم التـالي فى ترنيمة حب لم يعرفها بشر من قبل .
تعددت لقاءاتهما التي عرفتها شوارع المدينة ، ومحطات مترو الإنفاق ، ومحطات الأتوبيسات ، بل ومراسي المراكب المنتشرة على ضفاف النيل ، كل من يراهم يبتسم لرؤية أيديهم المتشابكة ، وعيونهم العاشقة ، وعند الحديث يخيل إليك انهم فى عناق طويل ، كان يحبها بجنون ، وكانت تبادله العشق والجنون ، وتردد الدعاء أن يحفظ الله حبهم ويحفظهم .
وأخذ يجهز العش الذي سيجمعهم ، يسـألها رأيها في كل ركن أو حجر، تعطى المشورة فتكون له إشارة البدء بالتنفيذ ، وهم في نشوتهم هذه عاشوا في دنيا يرسمون أحلامها ويعيشونها ، ويسعون لبناء واقعهم الجديد .
وفجأة اختفت محبوبته ، قطعت الحوار ، وتقطعت سبل الاتصال بها ، تخـلفت عن مواعيدهم ، انقطعت عن عملها ، ولم تجدي طرقاته أو ضرباته مع رنين الجرس على باب شقتها ، وكأن الأرض قد ابتلعتها ، ويا ليت هذا ما حدث .
ومن يومها وهو على هذا الحال ، يسير فى الشوارع والطرقات التي شهدت ميلاد حبه ، هائما على وجهه ، يبحث عنها فى عيون الذين شاهدوهم معا ، وفى الأركان التي احتوتهم ، ومحطات لقاءاتهم ، والمراسي النيلية التي روت قصتهم على ضفافه ، وهو في سيره هكذا لن يتوقف إلا حين يتوقف قلبه عن الحب ، ويموت .
التعليقات على الموضوع