الكاتب و الاديب د . صلاح البسيوني يكتب ع الهوا سوا / العربية نيوز
ع الهــــــــوا ســــــــوا
تأليف د. صلاح البسيوني
عاش حياته بين وصول وسفر .. بين الأهل والاغتراب .. بين الاستقرار والترحال .. بين الريف والمدينة .. بين الدراسة والعمل .. وجفنه ما ارتخى إلا ليحلم بالحبيبة .
كان يبحث عنها في كل زمان ومكان .. في الليل والنهار .. في الحدائق والميادين .. في الشوارع والحواري .. في الأزقة والطرقات ..على كباري النيل وفوق مراكبه .. في الطائرات والقطارات والأتوبيسات ..في كل خطوة يخطوها يتفحص الوجوه لعله يعثر عليها .. يقابلها .. يضمها .. يسكن إليها ويغمض عينيه ويرتاح من عناء سفره وترحاله الذي لا يتوقف .. بل لعله في ترحال دائم للبحث عنها .
وفى إحدى زياراته لصديق من أبناء بلدته جاء إلى المدينة للدراسة بالجامعة لمح وميض وجهها .. أصابته سهامها .. أرتجف جسده .. تسمرت قدماه .. وتوقفت نظراته عليها .. ولم يقوى على مغادرة المكان قبل أن يسأل عنها .. ويتعمد الاقتراب منها .. ويطلب من صديقة التعرف عليها .. ليفتح معها حوارا لا ينقطع .. تعمد الاسترسال والإسهاب والتطرق لشتى الموضوعات حتى لا تغادر المكان قبل أن يأخذ موعد لاستكمال الحوار .
ولم ينام الليل في انتظار الصباح ليذهب إلى الجامعة .. ليجدها في نفس المكان .. تمسح بعينيها الوجوه .. تتفحصها .. تبحث عنه .. حين طالعته أشرق وجهها وأقبلت عليه بلهفة قائلة: خشيت أن لا تحضر .
قال : لم أغمض عيني خشية التأخير في الصباح .
قالت : خفت أن تعوقك مشاغلك عن موعدنا .
قال : لا يعوقني عن موعدك سوى الموت .
صرخت : فداك عمري .
قال : عمري كله لك .
أرتجف جسدها لتلك العبارات التلقائية المتلاحقة .. وشعر بالخدر يسرى إلي جسده .. فأمسك يدها .. وتحرك للجلوس تحت إحدى شجيرات الحديقة المتسعة والممتلئة بالشباب .
قالت : لا أدرى كيف خرجت تلك الكلمات من أول لقاء بيننا .
قال : لم أشعر أنه الأول .
قالت : فعلا" أشعر أننا نعرف بعض منذ زمن .
قال : أنا أعرفك منذ زمن طويل .. وأبحث عنك طوال عمري .
قالت : أخاف من اللحظات السعيدة لأنها دائما قصيرة .
قال : اللحظات جزء من سنين عمرنا .. ونحن من يصنعها .. فلما نتركها تهرب من أيدينا .
قالت : هكذا تقلب الأيام .
قال : نحن من نعيشها وعلينا تجميلها والتمسك بها .
قالت : أخاف من الغد أن يسلبنا سعادة اليوم .
قال : إذا سعدنا اليوم نحلم كيف نبني سعادتنا بالغد .
قالت : أخاف من الحلم أن يبعدني عن الواقع .
قال : أحلامنا إن تمسكنا بها تحققت .. فالمهم أن تظل أيادينا متشابكة.
قالت : تأتى لحظات نحتاج إلى تحريرها .. فربما تتقاذفنا الأمواج .
قال : تشبثي بيدي مهما ارتفعت الأمواج .. وتأكدي أننا معا" سنعبرها ونصل إلى شاطئ الأمان .
قالت : أنت حالم في رومانسية والواقع بعيد عنها .
قال : كل ما هو على الأرض لم يكن سوى أحلام في بداياتها .. تحققت بإصرار الحالمين .. وربما تتحقق أحلامنا اليوم أو بعد سنين .. لكن المهم أن نسعى إلى تحقيقها .
قالت : فيما تحلم .
قال : أحلم بك زوجة وحبيبة بحثت عنها سنين لترتاح سفينتي في مرفأها .
قالت : خطواتك سريعة في إيقاعها .
قال : لعله الإصرار على تحقيقها .
قالت : حلمت بك ليال طوال ولن أهدر المزيد .. أقبل بك زوجا وحبيبا أمضى معه مشوار العمر .
قال : لعله من المناسب أن ننصرف الآن وأزوركم في المساء لمقابلة الأهل .
قالت : سأكون بانتظارك يا حبيب العمر.. .. انصرفا .
تتلاحق الخطوات في إيقاعها كعادة المدينة والزمن الحديث .. ويتم عقد قرانهما بين نخبة من الأهل والأصدقاء .. وقد اتفقا على أن يتم الزفاف بعد أن تنهى عامها الأخير في الجامعة .. ويكون قد شد الرحال إلى تلك الدولة الخليجية تنفيذا لتعاقده وفرصة لجمع بعض المال اللازم لبداية حياته الجديدة .
وتحركت عقارب الساعة سريعة .. بين تجهيز أوراق سفره .. ولقاءاتهما التي يقتنصانها بين سرعة الإيقاع .. والليالي تمضي مع حديثهما التليفوني الذي لا ينقطع قبل أن تسقط سماعة التليفون من قبضة أحدهما حين تغمض جفناه دون إرادته .. ثم شد الرحال تودعه دموعها .. وتستعطفه نبضات قلبها أن يعود سريعا .. وخفقات قلبه التي لم يعهدها في ترحاله كادت أن تمزق صدره وهو يغمض عينيه على صورتها .
ومنذ وصوله إلى مستقرة الجديد وهو على اتصال طوال اليوم .. بحبيبته .. رنين تجيبه برنين .. رسائل تنقل أشواقه تجيبه برسائل تنقل خفقات قلبها .. حديث ليلى يثلج صدورهم .. وقلوبهم تعيش على نبضات الأثير .. وكما كانا معا منذ أن التقيا فلا يزالا رغما عن بعد المسافات ع الهوا سوا .
التعليقات على الموضوع