الكاتب و الاديب د .صلاح البسيوني يكتب الشيخ سيد / العربية نيوز
الشيخ سيد
تأليف د.صلاح البسيوني
قرابة عشرين عاما" ونحن زملاء بالعمل بإحدى الدوائر الحكومية .. طال بنا العمر وهربت من بين أيدينا السنين ليتسلل الشيب إلى الرؤوس .. أنتقل البعض إلى وظائف أخرى والبعض الآخر استقال ليبدأ عمل جديد ورحل عنا من رحل إلى العالم الآخر .
الحياة ولادة كل يوم تأتي بوافد جديد زميل أو زميله .. حتى أصبحنا والشيب ترك معالمه على رؤوسنا علامة من علامات المكان الدالة علي قدمه وعراقته .. وشهود على الزمان وما كان .. نحكي للقادمين الجدد عن أجواء العمل بالزمن الماضي من قصص وحكايات وكأننا لا نريد أن ننسى أن الزمن لا يعود .
ويبدو أن الشيخ سيد كعادته كان متأخرا في الاقتناع بحقائق الأمور وبعد لم يقتنع أن العمر ولى .. وأن الشباب قد رحلت معالمه والربيع قد ترك لخريف العمر مقعده ذات صباح أتى أحد الزملاء يهمس في أذني بخبر أرتج له عقلي قبل أن ينقبض صدري .. سألته في دهشة للتأكد مما يقول :الشيخ سيد بيحب إحدى الزميلات ؟ .
نظر إلي الزميل وأشار برأسه ـ في صمت من يريد تكتم الأمر.. علامة الإيجاب .. لكنني اعتبرت أن في الأمر دعابة أو شرك مما اعتدنا وجوده أحيانا للإيقاع بالشيخ سيد في حوارات ضاحكة طالما تكررت كثيرا" .. وفكرت لما لا يكن هذا الموضوع هو دعابتنا لليوم نستثيره كعادتنا ونترك له العنان ليصول ويجول في الدين ويسترسل في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأخبار الصحابة .. ويظل في إسهابه واسترساله حتى ننسحب من المكان الواحد تلو الأخر ولم ينتهي من جولته التي لا تقترب أبدا" من موضوع الحديث .
عندما تيقنت أن الخبر ليس بدعابة .. شعرت أن هناك خطر يوشك أن يمزق أواصر زمالتنا ويقطع أربطة الود التي تجمعنا .. فهاهو الشيخ سيد يسقط في كبوة سيتحدث عنها الجميع .. جلست أفكر فيما هو قادم من أعاصير قد تنال منا جميعا".. تقتلع السقيفة التي تجمعنا .. وتزلزل الأرض التي نقف عليها .. ستصيبنا سهام النقد والتوبيخ .
وكان لابد من الحديث معه دون أن أجرحه ودون أن أستثير غضبه أو عناده .. فجلست أداعبه كعادتنا بعد أن طلبت للحاضرين جميعا" أكواب الشاي .. ثم أشرت لهم خفية برأسي أن يتركوا لنا المجلس بهدوء دون أن يلحظ أن في الأمر شئ .. وتسلل الواحد تلو الآخر متعللا بأداء عمله .. فتحدثت معه أراجعه في الأمر بما لي من حظوة عنده تتيح لي أن يتقبل حديثي .. حدثته عن العمر والشيب والزوجة والأبناء .. صارحته بالأمر من كل جوانبه التي أراها .. وهو لا ينكر ولا يتراجع .. سألته من باب الفضول : من هي ؟ أشاح بوجه الذي أزداد احمرارا ثم أمام إلحاحي أشار إلي زميله ثم تردد ليشير إلى أخرى وهكذا جعل الأمر مشاع .
لم يكن أمر تحديد هويتها يهمني فكلهن إما بنات صغار السن أو زوجات محترمات حباهن الله بالزواج الصالح والأسرة الكريمة .. ولذا لم يكن هناك مبرر لكي يقع اختيار الشيخ سيد على إحداهن .. وعند نهاية حديثي تركت الشيخ سيد ليراجع نفسه ويفكر فيما كان بيننا من حوار هادئ وعاقل .
تمر الأيام وجذوة النار لم تنطفئ تزداد توهجا .. يبدأ الهمس يعلوا .. جماعة تستنكر وجماعة تسخر وأخرى لتقصي الحقائق للبحث عن الاسم المرشح ووضع النقاط علي الحروف لتضئ لوحة تحمل اسم الزميلة الفاضلة التي أختارها الشيخ سيد بطلة لحلم خريف العمر .. سمعت الاسم يتردد في أروقة المكان لينشق صدري عن شهقة ألم ودهشة .. من ؟ مشيره ! .
تلك النسمة العابرة في أرجاء المكان التي تشعر بوجودها دون أن تسمع صوت خطواتها .. بل حاولت في تلك اللحظة أن أتذكر صوتها فلم تسعفني الذاكرة حيث لا تشارك في حديث إلا همسا ولا تتدخل في حوار إلا نادرا .. فتحولت الدهشة إلى استنكار في صدري .. وأنفجر بركان الغضب لأنتقل إليه وأواجهه فلم ينكر فانطلقت في حديث كالطلقات تصيبه في كل اتجاه لعلها تؤلمه فتوقظه .. وهو يتلوى فيبكي تارة .. ويتألم فيعتذر عما حدث تارة أخرى .. يتفوه بكلمات عن القدر والنصيب .. أجيبه بالدين والعيب والتقاليد .. يهاجمني من منكم بلا خطيئة .. أقرأ عليه قول الله سبحانه وتعالي " والذين يفسدون في الأرض " .
يقص علي مشاكله الزوجية التي تحيل حياته جحيما .. أذكره أنه سيفسد عليها حياتها ويسئ إلى سمعتها ويحيل حياتها الزوجية جحيما" .. تتقلص عضلات وجهه في حركات تشنج .. يداه تعتصر صدره وكأنه يريد أن ينتزع قلبه أو كأن النفس لا يريد مغادرته .. تهبط قدماه وكأنها عجزت عن حمله .. يرتمي علي الأرض ويبكي بصوت مسموع .. أمسح علي رأسه وأجلس أرضا بجانبه وأضم رأسه .. يطلب مني العون للخروج من هذه الأزمة .. أساعده علي النهوض .. أحتضنه .. أهدئ من روعه بأن كل شئ سينتهي على خير .. أتركه على وعد أن أسانده أمام الجميع وأمام نفسه .. وأساعده لتخطي هذه الكبوة .. ينتهي اليوم ويذهب كل منا إلى بيته .
وفي الصباح تحدثت إلى الزملاء والزميلات أن ننسي الأزمة .. وننسى قصة الشيخ سيد .
التعليقات على الموضوع